في لحظات الشدّة، تُختبر المواقف وتتكشف المعادن.. وما شهدناه من اعتداء إسرائيلي سافر على الدوحة لم يكن حدثاً عابراً في سياق إقليمي متوتر، بل محطة فارقة أظهرت بجلاء أن أمن الخليج العربي نسيج واحد لا يقبل التجزئة، وأن التضامن ليس شعاراً يُرفع، بل فعلٌ يُترجم في الميدان والموقف والوجدان.
نقول ذلك في سياق الموقف الإماراتي المشرّف تجاه الهجوم الغادر الذي وقع على الأراضي القطرية.. حيث لم يكن موقف بلادنا مجرد كلمات، بل خطوات عملية متعددة الأبعاد، بدأت باتصال هاتفي من قائد إلى قائد؛ ليؤكد وحدة الموقف، ثم زيارة أخوية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الدوحة ومن ثمّ بلقائه أخاه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في مشهد جسّد عمق العلاقات ومتانة الروابط، وأعاد صياغة معادلة ثابتة، وهي أن سيادة قطر من سيادة الإمارات، وأن أمنها من أمنها، وأن الإمارات تقف مع الدوحة قلباً وقالباً.
إنها ليست كلمات بروتوكولية أو مجاملة دبلوماسية، بل رسالة واضحة للجميع، تؤكد أن ما يجمع الإمارات وقطر ليس فقط الجوار الجغرافي، بل وشائج التاريخ، والدم، والمصالح المشتركة، والقدر الذي رسم أن يكون خليجنا العربي فضاءً واحداً في السراء والضراء.. وتضع في المقابل الاعتداء في توصيفه الصحيح: انتهاك للقوانين الدولية، وتهديد لأمن المنطقة، وتقويض لفرص السلام.
كمتابعين، نرى أن الاعتداء على الدوحة هو جرس إنذار يذكّر الجميع بأن استهداف جزء من الخليج العربي إنما هو استهداف للجميع.. ومن هنا تتجلى أهمية التضامن الإماراتي، الذي لم يقتصر على الدعم اللحظي، بل حمل رؤية أوسع تقوم على حماية البيت الخليجي، وردع كل ما يهدد استقراره.
لا نقرأ الموقف الإماراتي من الاعتداء على قطر كصفحة في كتاب السياسة، بل كإعلان مبادئ يرسخ أن التضامن الخليجي ليس خياراً، بل قدرٌ تفرضه الجغرافيا وتثبته الأخوّة وتدعمه القيم.
وما بين أبوظبي والدوحة خيط واحد من الثقة والمصير، يزداد قوة، خاصة إذا عصفت بالمنطقة رياح التحديات.
نعم، كان الاعتداء غادراً، لكن الرد كان أشرف: تضامن، ودعم، وموقف أخوي يليق بدولتين اختارتا أن تكونا معاً، في السلم كما في الشدّة، صوتاً واحداً في وجه العدوان..
وكما تتجاوران الجغرافيا وتتقاسمان التاريخ.. تتجاوران الرؤية وتتقاسمان الهدف، وتزيدان من رسوخ بيتنا الخليجي الواحد، الذي لم تعكر صفوه التقلبات الإقليمية والدولية، ولم يخضع يوماً إلا لمعايير الأخوة الصادقة والمصير الواحد.


